
تحقيق: أسامة محمود
منذ أن حصلت مصر على أول قرض خارجي عام 1824 وحتى يومنا هذا، والديون تمثل جزءًا معقدًا من تركيبة الاقتصاد المصري. فبين فترات ازدهار وركود، وبين قروض تنموية وأخرى لسد العجز، تراكمت الديون لتصبح حديث الشارع والبرلمان معًا. في هذا التحقيق، نرصد مسار ديون مصر الخارجية، أبرز الدائنين، نسب الديون، وهل لمصر ديون لدى دول أخرى؟ وكيف تغيرت سياسة الدولة تجاه الاقتراض منذ إعلان الجمهورية عام 1953 وحتى 2025.
أول قرض… بداية الحكاية
تعود بداية الديون الخارجية لمصر إلى عهد محمد علي باشا، لكن القرض الأبرز كان في 1824 بقيمة 400 ألف جنيه إسترليني. هذا القرض كان بداية دخول مصر في شبكة الديون العالمية. وفي عهد الخديوي إسماعيل، تضاعفت الديون بشكل غير مسبوق، حتى أن الدين الخارجي وصل إلى نحو 100 مليون جنيه إسترليني، مما أدى إلى التدخل الأجنبي والاحتلال البريطاني عام 1882.
الجمهورية والديون: من عبد الناصر إلى السيسي
عبد الناصر (1954 – 1970): سعى لبناء اقتصاد مستقل، لكن لجأ إلى الاتحاد السوفييتي ودول المعسكر الشرقي للحصول على قروض عسكرية وإنشائية، خاصة في مشروع السد العالي.
السادات (1970 – 1981): انفتاح اقتصادي جلب معه ديون جديدة، خاصة من الولايات المتحدة والمؤسسات الدولية.
مبارك (1981 – 2011): شهدت فترة حكمه استقرارًا نسبيًا، وتراجع الدين الخارجي بعد إعفاء جزء كبير منه عقب مشاركة مصر في حرب الخليج (1991).
ما بعد 2011: شهدت مصر قفزات متتالية في حجم الدين الخارجي، خاصة بعد 2016 مع توقيع اتفاقيات صندوق النقد الدولي وتحرير سعر الصرف.
الديون بالأرقام (2025)
بحسب أحدث بيانات البنك المركزي المصري حتى بداية 2025:
إجمالي الدين الخارجي: حوالي 165 مليار دولار.
نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي: نحو 43%.
أكبر الدول الدائنة:
الصين: ما يقارب 10.5 مليار دولار.
اليابان: نحو 3.3 مليار دولار.
ألمانيا: حوالي 2.9 مليار دولار.
الكويت، السعودية، الإمارات: أكثر من 15 مليار دولار مجتمعة.
مؤسسات دولية: صندوق النقد، البنك الدولي، بنك التنمية الإفريقي.
هل لمصر ديون لدى دول أخرى؟
رغم أن مصر ليست من الدول المانحة الكبيرة، إلا أنها تُقرض أحيانًا بعض الدول الأفريقية أو العربية في شكل مساعدات ميسرة أو استثمارات مؤجلة الدفع، مثل بعض المشاريع في السودان، أو القروض الفنية لبعض الدول الأفريقية عبر الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا، لكن إجمالًا، مصر مدينة أكثر مما هي دائنة.
لماذا تقترض مصر؟
تمويل مشروعات البنية التحتية الكبرى.
سد عجز الميزان التجاري.
تمويل واردات استراتيجية (قمح، بترول، سلع أساسية).
دعم الاحتياطي النقدي الأجنبي.
ختامًا: هل يمكن التخلص من عبء الديون؟
خبراء الاقتصاد يرون أن الإصلاح الحقيقي يكمن في زيادة الإنتاج والتصدير، وخفض الواردات، وجذب الاستثمارات المباشرة. أما الاعتماد المستمر على القروض، فيجعل الاقتصاد المصري في وضع هش أمام الأزمات العالمية.