
كتب: احمد عيسي الزوامكي
في زمنٍ صار فيه الصراخ بديلاً عن الموقف، تتقدم مصر بثبات لتعيد تعريف معنى القوة، لا بالصوت العالي ولا بالتصريحات النارية، بل بالفعل الهادئ المدروس الذي يصنع الفارق على الأرض.
منذ اشتعال الحرب في فلسطين والعالم العربي يعيش على حافة الغضب، كانت مصر وحدها من وضعت قدميها على طريق العقل، لتتحرك بحكمة من يعرف أن النار لا تُطفأ بالوقود، وأن الحق لا يُسترد بالشعارات، بل بالثبات والموقف والقدرة على إدارة الصراع دون أن تنكسر.
مصر لم تكتفِ بالشجب ولا اكتفت بالبيانات، بل فتحت معبر رفح، واستقبلت الجرحى، وأدخلت المساعدات الإنسانية، وتحملت ضغوطاً دولية هائلة كي تظل غزة تتنفس. هذا هو الفعل الحقيقي، لا الضجيج الإعلامي الذي يبيعه البعض تحت عنوان البطولة.
القيادة المصرية اليوم تدير الأزمة بعقل الدولة التي تعرف قيمتها، وبإدراك أن الحفاظ على التوازن لا يعني الحياد، وأن نصرة فلسطين لا تكون بالصخب، بل بالتحرك السياسي والدبلوماسي الذكي الذي يحاصر العدوان من كل اتجاه.
بينما أمريكا تدّعي الإنسانية وهي تغطي جرائم الاحتلال، ومجلس الأمن يتلكأ في إصدار قرار، تبقى القاهرة هي المنبر الأخير للعقل العربي، تحاور وتفاوض وتضغط، لا لتكسب نقطة سياسية، بل لتوقف نزيف الدم الفلسطيني وتمنع المنطقة من الانفجار.
إسرائيل، التي تدّعي القوة، ترتعد أمام طفل فلسطيني يحمل حجرًا، وأمام أمٍّ لا تنكسر رغم فقدانها كل شيء. أما مصر، فهي الدولة التي لا تركع، لا لإغراءات ولا لتهديدات، لأنها ببساطة أكبر من أن تُؤمر أو تُشترى.
الصمت المصري الذي يهاجمه البعض، هو في الحقيقة سلاح الكبار. فحين يتكلم الأقزام بالصراخ، يختار الكبار لغة الصمت الموجع، الذي يُخيف الخصوم أكثر من الرصاص.
مصر اليوم لا تبحث عن دور، لأنها أصل الدور، ولا تلهث خلف الأضواء، لأنها الضوء نفسه. تقف إلى جانب فلسطين كعادتها، لا بشعارات، بل بدمها وموقفها وتاريخها. إنها الدولة التي تقاتل بصمت، لكنها حين تتكلم… يسكت الجميع.