عالم السحر.. بين الخرافة والواقع

الحلقة الأولى: من أين بدأ السحر؟ رحلة في تاريخ أقدم الأسرار البشرية
بقلم : إيمان حاكمهم

منذ أن وقف الإنسان أمام الطبيعة مذهولًا من الرعد والبرق، ومن موتٍ لا يعرف له تفسيرًا، بدأ يبحث عن قوةٍ خفية تفسّر ما لا يُفسَّر.
ومن هنا وُلد السحر… ليس كجريمة أو خرافة كما يُصوَّر اليوم، بل كلغةٍ بدائية حاول بها الإنسان التواصل مع المجهول وفهم النظام الغامض للكون.

البدايات الأولى: السحر كعلم مقدس
في مصر القديمة، كان السحر جزءًا أصيلًا من الحياة اليومية، يُمارس داخل المعابد ويُعلَّم للكهنة باعتباره علمًا مقدسًا لا يقل شأنًا عن الطب أو الفلك.
وقد كشفت البرديات المصرية القديمة مثل بردية إيبرس الطبية عن نصوص تجمع بين التداوي بالأعشاب والتعاويذ السحرية لطرد الأرواح الشريرة أو شفاء المرضى.
وكان الكاهن الطبيب يبدأ علاجه بعبارة “أخرج أيها الشر!” قبل أن يصف العقار، في مزيجٍ فريد بين العلم والإيمان.

ومن أروع ما وصلنا من ذلك التراث “نصوص التوابيت” Coffin Texts، وهي مجموعة من التعاويذ الكُتبت على توابيت المصريين منذ عام 2100 قبل الميلاد، لحماية أرواح الموتى في رحلتهم للعالم الآخر.
وتضم هذه النصوص ما يُعرف بـ “كتاب الطريقتين”، وهو أقدم خريطة روحية عرفها الإنسان، تصف طريقين بري ومائي يؤديان إلى مقر الإله أوزيريس، ويحرسهما بحر من النار.

بلاد الرافدين: طقوس لطرد الأرواح
في بلاد الرافدين، ازدهرت أقدم أشكال السحر المنظمة في التاريخ.
كان البابليون والآشوريون يؤمنون بأن المرض والجنون والعقم ناتجة عن “لعنات الآلهة” أو “مسّ الأرواح”، لذلك كان السحر يُستخدم كعلاجٍ روحي.
عُثر في مجموعة Schøyen بجامعة ييل على نصوص بعنوان “Mesopotamian Incantations”, تُظهر طقوسًا استخدمها الكهنة لدرء الأرواح الشريرة عبر تمائم وأدعية محددة.
وكان الساحر آنذاك يُعتبر طبيبًا روحانيًا يجمع بين الطب والعقيدة.

السحر في الهند: الطاقة والكلمة
في الهند القديمة، تداخل السحر مع الفلسفة والروحانية.
ظهرت طقوس “المانترا” (Mantras) التي تقوم على ترديد كلماتٍ مقدسة بطريقة صوتية معينة لإطلاق طاقة كونية.
ومن أشهرها “الجاتري مانترا” (Gayatri Mantra)، وهي دعاء من الفيدا الهندية يُعتقد أنه يمنح النور الداخلي والحماية الإلهية لمن يردده بإيمان.
وكانوا يرون أن الصوت نفسه يحمل قوة السحر، وأن الكلمة يمكن أن تخلق الواقع.

أفريقيا: طقوس القبائل وسحر الأرواح
وفي قلب أفريقيا، وُلد السحر من رحم القبيلة، مرتبطًا بالطب الشعبي والحماية من الأرواح.
كانت الكاهنة أو “العرافة” شخصية أساسية في المجتمع، يُلجأ إليها في كل شيء من الولادة حتى الموت.
تُمارس طقوس تعتمد على الأعشاب، الرقص، والنار لاسترضاء الأرواح وجلب الحظ.
ولا يزال حتى اليوم ما يُعرف بـ “سحر الحماية” أو “سحر الحب” حاضرًا في بعض المجتمعات الأفريقية، باعتباره إرثًا مقدسًا لا يمكن التخلي عنه.

من الطقوس المقدسة إلى اللعنات
ورغم قدسية السحر في بداياته، إلا أن التاريخ شهد تحوّله إلى تهمة بالكفر.
ففي نصوص مصرية وُجدت تعويذات اللعنات (Curse Rituals) تُستخدم للانتقام من الأعداء أو لطلب العدالة من الآلهة، وهي ما يُعد أول ظهورٍ لما نطلق عليه اليوم “السحر الأسود”.

بهذا التحوّل، بدأت المجتمعات تنظر إلى السحر بعين الشك، وتفصل بين “السحر الأبيض” الذي يهدف للخير، و“السحر الأسود” الذي يضرّ الآخرين.

وهكذا، ظل السحر حاضرًا في كل حضارة، يتغيّر شكله ولا يختفي، يعكس خوف الإنسان من المجهول وتوقه الأبدي لفهم الغيب.
فهل كان السحر وهمًا صنعته المخاوف؟ أم نافذة حقيقية على عالمٍ لا نراه؟
سؤال سيبقى معلقًا حتى نواصل رحلتنا في الحلقة القادمة من سلسلتنا “عالم السحر.. بين الخرافة والواقع”، حيث نكتشف كيف تحول السحر من عبادة مقدسة إلى جريمة يعاقب عليها التاريخ.

 

للمزيد من الأخبار تابع صفحتنا على الفيسبوك عبر هذا الرابط

Related Posts

تامر حسني يشعل حفلة المهن التمثيلية

  كتب : مصطفى حبيشي في ليلة لا تُنسى من ليالي الفن المصري، تألق النجم تامر حسني خلال مشاركته في حفلة نقابة المهن التمثيلية، حيث قدّم أداءً مبهرًا لأغنيته المؤثرة…

غدا .. حفل خيري لراعي مصر عضو التحالف الوطني بقصر عابدين بحضور ورعاية وزيرة التضامن

  كتب :عبدالله عبدالرحمن غدا يحيي الفنان مدحت صالح والفنانة آمال ماهر حفلا غنائيا خيريا بمصاحبة الأوركسترا المصاحبة لهما، غدا بقصر عابدين لصالح مؤسسة راعى مصر عضو التحالف الوطنى للعمل…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *