
كتب:د/عبدالمقصود الظني
تُعدّ الانتخابات البرلمانية واحدة من أهم مظاهر الممارسة الديمقراطية في أي دولة حديثة، فهي المرآة التي تعكس وعي الشعوب ومدى إيمانها بحقها في اختيار من يمثلها داخل قبة البرلمان. إنها لحظة فارقة يفترض أن تسود فيها روح التنافس الشريف، وتعلو فيها المصلحة العامة على الحسابات الشخصية، ويكون صوت الناخب هو الحكم الفصل بين البرامج والرؤى.
لكن – وللأسف – ما نشهده في واقعنا الراهن يبتعد كثيرًا عن تلك الصورة المثالية. فبدلًا من أن تكون الانتخابات ساحة حوار بنّاء وتنافس فكري راقٍ، تحوّلت في بعض الأحيان إلى ميدان للمشاحنات والتلاسنات والاتهامات المتبادلة.
نرى من يستغل الثغرات، ويزرع الفتن بين المرشحين، ويمارس الخداع السياسي من أجل كسب الأصوات، وكأنها لعبة سلطة لا معركة وعي. وتظهر في المشهد “الأفخاخ الانتخابية” التي تُنصب للخصوم، والمكايدات التي تُمارس على حساب القيم والمبادئ.
في المقابل، تبقى الصورة النبيلة للممارسة الديمقراطية هي ما يجب أن يكون:
انتخابات نزيهة تُدار وفق ضوابط القانون، تحترم وعي الناخب، وتُكرّس مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين. انتخابات تقوم على التنافس في خدمة الوطن لا التناحر على الكراسي.
حينها فقط يمكن أن نقول إننا نمارس الديمقراطية بحق، لا نُمثّلها تمثيلًا شكليًا.
إن الفرق بين فكر يؤمن بالممارسة الفعّالة وفكر يسعى إلى الهيمنة والسيطرة هو الفارق بين من يرى السلطة وسيلةً للبناء، ومن يراها غايةً في ذاتها. فالديمقراطية الحقيقية لا تُختزل في صناديق الاقتراع، بل تُقاس بمدى احترام النتائج، وبقدرة الجميع على تقبّل الآخر والعمل معه من أجل الصالح العام.
وفي النهاية، سيبقى الوعي الشعبي هو الحَكَم. فحين يُحسن المواطن الاختيار، وحين يدرك أن صوته أمانة لا سلعة، عندها فقط ننتقل من مشهد “الألاعيب الشيطانية” إلى مشهد الممارسة الديمقراطية الواعية التي تليق بوطن يريد أن ينهض.