
الكاتب /عماد الصاوى
في مثل هذا اليوم، الأول من سبتمبر 1939، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، عاشت مصر أجواء صراع وتوتر بكل تفاصيل الحرب؛ من غارات جوية ونقص في السلع الأساسية، إلى مشاهد لم يكن للمصريين يد فيها، سوى أن موقع بلادهم الجغرافي فرض عليهم أن تكون موانئها مصدر إمداد للجيوش بالعتاد والمؤن.
الحرب وسلوك الشارع المصري
أصبحت شوارع القاهرة والمقاهي تمتلئ بجنود الاحتلال البريطاني، وصارت الأحاديث والإذاعات لا تدور إلا حول أخبار الحرب وتوريط مصر في صراع ليس حربها. أُطفئت أنوار الشوارع مع توالي مواعيد الغارات، ونزل الطلاب والعمال في مظاهرات رافضة لتوريط البلاد في النزاع.
تغيرت حياة المصريين بشكل جذري؛ صار الخبز أثمن من الذهب، وازدادت الطوابير أمام المخابز ومحال البقالة، وانتشرت الستائر السوداء على النوافذ تحسبًا لأي غارة. فيما تحولت بعض الأحياء إلى ملاهٍ ليلية للجنود البريطانيين، في مشهد متناقض مع ما كان يعيشه عامة الناس من ضيق ومعاناة.
الحياة اليومية.. الخبز أثمن من الذهب
واجه المصريون أصعب الظروف في تلك السنوات:
الأزمات التموينية: رغيف العيش أصبح عملة نادرة، والطوابير الطويلة أمام المخابز مشهد يومي.
التقنين: بطاقات التموين وزعت السكر والزيت والقمح على الأسر.
الخوف الليلي: حظر تجول جزئي، وستائر سوداء على النوافذ تحسبًا لأي غارة.
ورغم كل هذا القلق، لم يفقد المصريون روحهم الساخرة، فظلوا يحاولون التخفيف عن أنفسهم بالضحك والمزاح في مواجهة الأزمات.
الفن.. ملاذ المصريين من الحرب
وسط هذه الأجواء، لم تفقد القاهرة روحها الفنية. السينما والمسرح كانا الملاذ الوحيد للهروب من التوتر. امتلأت القاعات بأفلام ليلى مراد وأنور وجدي، بينما حملت أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب أملاً في غد أفضل. حتى الغناء الشعبي كان مرآةً تعكس هموم الناس وضحكهم على قسوة الحرب.
بعد الحرب.. وعي جديد
انتهاء الحرب سنة 1945 لم يكن فقط لحظة راحة من التوتر، بل بداية مرحلة جديدة. خرج المصريون من التجربة بوعي سياسي أكبر، بعدما أدركوا أن بلادهم لم تكن سوى قاعدة عسكرية في أيدي القوى الكبرى. هذا الإدراك فجّر حركة شعبية متصاعدة، تجلت في مظاهرات عام 1946 التي طالبت بالجلاء، ومهّدت الطريق بعد سنوات قليلة لثورة يوليو 1952 التي أنهت الاحتلال البريطاني وغيرت وجه مصر.