
بقلم : محمد جمال الدين
في زمن أصبحت فيه وسائل الإعلام والمنصات الرقمية متاحة للجميع، تزايدت الظواهر السلبية التي تسيء لمهنة الصحافة النبيلة، وعلى رأسها ظاهرة الابتزاز الإعلامي، والتي يمارسها بعض الأفراد مدّعين أنهم صحفيون أو إعلاميون، وهم في الحقيقة يفتقرون إلى أدنى مقومات الانتماء إلى هذه المهنة.
لقد برزت هذه الظاهرة مؤخرًا بشكل سافر في الهجوم غير المبرر الذي يشنه بعض “أحد المتطفلين على الصحافة” ضد مهرجان المسرح العالمي في دورته الأربعين، دورة الأساتذة، التي ينظمها المعهد العالي للفنون المسرحية، وهي الدورة التي تشهد زخماً غير مسبوق من حيث الفعاليات، والتكريمات، وحضور كبار الفنانين والمسرحيين، فهذه الدورة لا تمثل مجرد مهرجان، بل تمثل احتفالاً معرفياً وجماليًا بالهوية المسرحية، وانعكاسًا لتراكم ثقافي طويل شارك فيه أجيال من المبدعين.
لكن ورغم أن كثيرًا من الأقلام تناولت هذا الحدث الكبير، وهذه الإنجازات، لجأ أحدهم إلى حملة ممنهجة ومشبوهة، ظاهرها “نقد”، وباطنها ابتزاز، وهدفها تحقيق مصالح شخصية أو فرض حضور إعلامي زائف.
هذا المتطفل فى حقيقة الأمر بلا صفة مهنية حقيقية، يستغل صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي أو بعض المواقع الإخبارية المجهولة أو غير المعترف بها، ليهدد ويضغط ويطالب ببطاقات دعوة، أو امتيازات مادية، أو حضور خاص، تحت طائلة “التشهير” إن لم تُستجب طلباته، وهذا السلوك لا يمت بصلة إلى حرية التعبير، بل هو جريمة أخلاقية وقانونية، يعاقب عليها القانون باعتبارها شكلًا من أشكال الابتزاز والسب والقذف العلني إن ثبتت نية التشهير أو الإساءة.
إن مهنة الصحافة ليست مجرد بطاقة أو صفحة على الإنترنت، بل هي مسؤولية ورسالة تستند إلى القيم، والدقة، والموضوعية، وما يقوم به هؤلاء المدّعون هو تشويه متعمد للمهنة، ويسيء إلى الصحفيين الحقيقيين الذين يعملون وفق قواعد المهنة وأخلاقياتها.
ومن هنا، فإنه يجب التصدي بقوة وحزم لهذه الظاهرة التى أصبحت منتشرة بشكل كبير جداً، وذلك عبر تفعيل دور نقابة الصحفيين في رصد وتتبع المتطفلين ومحاسبتهم قانونيًا، وفضح ممارسات الابتزاز علنًا، وتوعية الرأي العام بعدم الانجرار خلف الأكاذيب، علاوة على وضع ضوابط صارمة لتغطية الفعاليات الثقافية، بحيث يُمنح الاعتماد الإعلامي فقط للصحفيين المعتمدين رسميًا، مع تعزيز ثقافة التقدير للمهرجانات الجادة، لا سيما حين تكون بمستوى مهرجان المسرح العالمي في دورته الأربعين، التي جاءت تحمل في طياتها عبق التاريخ وروح المعاصرة.
إن هذه الدورة من المهرجان يجب أن تُحتفى بها بكل فخر، كقوة ناعمة فاعلة في مواجهة الجهل والتفاهة، والهجوم عليها من قبل مدّعي، ما هو إلا محاولة يائسة للنيل من منارة ثقافية ساطعة.
في الختام، علينا أن ننتصر للصدق، وأن نُعلي من شأن المهنية، وأن نقف صفًا واحدًا ضد كل من يحاول تلويث ساحة الإعلام أو الثقافة بسلوكيات منحرفة ومصالح ضيقة.