إسرائيل كوصي على الأقليات : حارس المصالح الغربية أم صانع الفوضى الطائفية؟

بقلم : يوحنا عزمي

 

من الموارنة والأقباط إلى الدروز والأكراد ، تسعى إسرائيل إلى إعادة تقديم نفسها كوصي رحيم على ما يُعرف بـ”الأقليات” في الشرق الأوسط. لكن هذه المحاولة ليست مجرد خطاب علاقات عامة في لحظة سياسية عابرة ، بل هي إعادة إحياء لمشروع قديم تجدده تل أبيب مع كل تحول تاريخي يفتح أبواب الفوضى في الإقليم ، وتحديدًا منذ إندلاع ما سُمي بـ”الربيع العربي”، الذي دفع بمكونات المنطقة إلى هوامش الحروب الأهلية والطائفية.

 

إسرائيل لا تتعامل مع الأقليات بوصفها مكونات أصيلة في مجتمعاتها ، بل كأوراق تفاوض وممرات للنفوذ. في المشهد 

السوري اليوم ، ترفع تل أبيب شعار “حماية الدروز” لكنها في الحقيقة تدشن مرحلة أوسع من مجرد تدخل في الجنوب السوري؛ إنها تعلن عن نفسها ككيان قادر على حماية من تسميهم “ضحايا الإسلام السياسي”، في مواجهة تمدد ما تصفه بـ”الإرهاب الإسلامي”. 

 

هنا لا تتحدث إسرائيل عن دولة وطنية أو توازنات إقليمية ، بل تروج لنفسها كصاحبة حق تاريخي في لعب دور الحامي والراعي، وفق منطق تقسيمي يمجد المكونات ويقضي على فكرة المواطنة الجامعة.

 

هذا المسار ليس جديدًا ، فقد سبق أن لعبت إسرائيل الدور ذاته في لبنان السبعينات ، عندما احتضنت الميليشيات المارونية ، وأسست لاحقًا ما سمي بـ”دولة لبنان الحر” جنوب البلاد ، تحت قيادة سعد حداد ثم أنطوان لحد، بدعم مباشر من جيش الاحتلال الإسرائيلي. كما أنها ، عقب احتلال الجولان في 1967، فتحت نقاشات جدية حول إقامة كيان درزي، لكنها علّقت الفكرة مؤقتًا في انتظار اللحظة المناسبة.

 

في الحالة الكردية ، العلاقات بين الحركات الصهيونية والتنظيمات الكردية تمتد إلى أربعينات القرن الماضي ، وبلغت ذروتها في السبعينات مع الدعم الإسرائيلي غير المباشر للتمردات الكردية في العراق. كذلك الحال مع منظمات أقباط المهجر ، التي لا تكاد تتحرك في العواصم الغربية إلا تحت مظلة دعم لوبيات صهيونية ودوائر ضغط متقاطعة مع مصالح إسرائيل الاستراتيجية.

 

حتى داخل مصر، لا تغيب إسرائيل عن محاولات اللعب بورقة التنوع. إعلامها يروج لأحقية النوبيين والأمازيغ في الانفصال 

 

كما كانت شريكًا حاضراً في سيناريو فصل جنوب السودان عن شماله ، إبان حكم عمر البشير. لكنها لا تتحرك من تلقاء نفسها ؛ فإسرائيل لا تملك مشروعًا فكريًا مستقلًا. إنها مجرد ذراع تنفيذية لبنك أهداف غربي صُمم بعناية منذ زمن الاستعمار ، ومرر إلى تل أبيب لتكون “الكيان الوظيفي” الذي يحرس المصالح الغربية وينفذ ما تعجز عنه جيوش الغرب التقليدية.

 

المخطط نفسه يتكرر تحت أسماء متعددة : من خرائط برنارد لويس ، إلى “الفوضى الخلاقة” التي بشرت بها كونداليزا رايس، وصولًا إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير ، وكلها تعود إلى جوهر واحد هو تقويض الدولة الوطنية ، وتفكيك الشرق الأوسط إلى كيانات مذهبية وعرقية. خطة “عوديد ينون”، التي نشرها المنظر الصهيوني عام 1982، لم تكن مجرد قراءة نظرية ، بل خارطة عمل نُفذت على مراحل : تقسيم العراق ، ضرب سوريا، إنهاك لبنان، وفتح الحديث عن سيناء مستقلة ومصر مجزأة بين شمال إسلامي وجنوب قبطي.

 

إسرائيل اليوم لا تسعى فقط إلى تسويق نفسها كحامية للأقليات، بل كبديل عن الدولة. هي تعرض على المسيحي والدرزي والقبطي والكردي نموذجًا يقول : “احتم بنا فنحن خلاصك من خطر الأكثرية الإسلامية”. هذه الرواية لا تجد قوتها فقط في ما تصنعه إسرائيل، بل فيما دمره الإسلام السياسي من الداخل ، بعدما ورط تلك المكونات في صراع مفتوح وصفري ، لا وطن فيه ولا مشروع جامع ، بل فقط غريزة البقاء.

 

التحدي الحقيقي إذا لا يكمن في ردع “الإرهاب الإسلامي” وحده 

بل في اجتثاث ما زرعه من رواسب في وعي المجتمعات ، حتى بات كثيرون يعادون الجماعات الإسلاموية شكليًا ، لكنهم يحملون في لاوعيهم كثيرًا من أدبياتها ومقولاتها عن “الآخر” المختلف.

 

 إسرائيل تدعي أنها تملك الحل ، لأنها تعرف أنها كانت دومًا جزءًا من المشكلة. فهي ليست مجرد دولة في الشرق ، بل أداة صنعها الغرب منذ سايكس بيكو ، لتكون اليد التي تُمزق ما تبقى من هذا الشرق كلما حاول أن يلملم شتاته.

 

للمزيد من الأخبار تابع صفحتنا على الفيسبوك عبر هذا الرابط

Related Posts

تحقيق صحفي بعنوان: “السماء جفت… والصعيد ينتظر الغيث: أزمة المطر في جنوب مصر وأسرار الغياب

بقلم أسامة محمود      المقدمة:     لم تكن السماء يومًا بخيلة على أرض الكنانة، فقد عُرفت مصر عبر تاريخها بأنها “هبة النيل والمطر”، لكن السنوات الأخيرة حملت تغيرًا…

احمد حسن يكتب “بين صرخة وفرحة”

    فى ظل الصمت التام للعالم لما يحدث فى قطاع غزة من إبادة وتجويع وتهجير من الاحتلال الصهيوني نتصدم من حصيلة زيارة ترامب الى دول الخليج والتى بلغت 2…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *