
بقلم : يوحنا عزمي
شهدت العاصمة السورية دمشق مؤخراً غارات إسرائيلية طالت محيط القصر الرئاسي، في تصعيد لافت أثار تساؤلات عدة حول دوافع إسرائيل وخلفيات هذه الهجمات. فهل تستهدف تل أبيب النظام الجديد في سوريا أم أن المشهد أكثر تعقيدًا مما يبدو؟
إسرائيل وسوريا : حسابات الجغرافيا والسيطرة
سوريا ، باعتبارها الجار الشمالي لإسرائيل ، تمثل دائمًا تهديداً محتملًا من منظور تل أبيب ، ما يجعلها تفضل بقاء دمشق في
حالة ضعف دائم. خلال سنوات حكم بشار الأسد ، ورغم الخطاب العدائي المتبادل ، لم تكن العلاقات خالية من التنسيق الأمني غير المعلن ، خاصة عبر الوسيط الروسي ، الذي وفر غطاءً ضمنياً لبقاء الأسد في السلطة.
لكن المعادلة بدأت تتغير تدريجيًا مع صعود نظام “الشرع”، الذي يتمتع بدعم تركي واضح ، ويُعد من وجهة نظر إسرائيل خصماً
غير مباشر ، بل خطراً استراتيجيًا إذا ما تعزز تحالفه مع أنقرة.
تحركات مريبة .. وردود إسرائيلية سريعة
مصادر استخباراتية غربية تحدثت عن معلومات وصلتها إلى جهاز الموساد الإسرائيلي ، تفيد بنية النظام السوري توقيع اتفاق دفاع مشترك مع تركيا، يشمل إنشاء قواعد عسكرية تركية داخل الأراضي السورية. في اليوم ذاته ، خرج وزير الدفاع الإسرائيلي ملوحاً برد قاسٍ في حال تم تنفيذ الاتفاق.
النتيجة كانت ضربات جوية مركزة ، استهدفت مواقع عسكرية
كان يُعتقد أنها ستُستخدم كبنية تحتية للوجود التركي ، أبرزها مطار “T4” العسكري وقاعدة في حمص. الرسالة كانت واضحة:
لا وجود تركياً في العمق السوري دون رد إسرائيلي.
إسرائيل والدروز : حماية أم تموضع استراتيجي؟
لم تقتصر الغارات على المواقع العسكرية. خلال الأسابيع الماضية تعرّضت الطائفة الدرزية في سوريا لهجمات دموية ، بينها كمين أسفر عن مقتل 36 شخصًا. في ظل الصمت الإقليمي ، خرجت إسرائيل معلنة مسؤوليتها الأخلاقية عن “حماية الدروز”، كونهم يشكلون شريحة مؤثرة داخل أراضيها، وبعضهم يخدم في الجيش الإسرائيلي.
لكن القراءة السياسية تُظهر أن إسرائيل توظف هذا الملف لتثبيت وجودها داخل سوريا ، تحت غطاء “الحماية الطائفية”. أهداف تل أبيب لا تقتصر على البعد الإنساني ، بل تمتد إلى :
1. ضمان السيطرة على الجولان وجبل الشيخ ، ومحيط دمشق الجنوبي.
2. منع أي تواجد عسكري تركي قد يقوض النفوذ الإسرائيلي.
3. طمأنة الدروز داخل إسرائيل بأنهم في مأمن وتحت الحماية
مما يمنع أي انقسام داخلي قد يهدد انسجام المؤسسة العسكرية.
الخلاصة : من المستفيد؟
رغم تغير اللاعبين داخل سوريا ، تبقى إسرائيل الطرف الوحيد القادر على فرض قواعد اشتباك جديدة ، وحسم المعارك دون خوضها ميدانياً. ومع كل ضربة جوية ، ترسل تل أبيب رسالة ضمنية إلى القوى الإقليمية بأن اليد الطولى ما تزال لها.
أما النظام الجديد في دمشق ، فرغم محاولاته للتوازن بين تركيا وروسيا ، يبدو أنه بدأ يدفع ثمن هذا التموضع ، وسط غياب أي مظلة حماية حقيقية توازي تلك التي تمتع بها الأسد سابقاً.
السياسة ، كما يصفها البعض ، لعبة قاسية. المنتصر لا يعلن الحرب بل يُحكم قبضته على الخريطة بهدوء. والضعيف لا يخسر مرة واحدة ، بل يدفع ثمن اختياراته كل مرة.