
بقلم د . هاني المصري
أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عاصفة من الجدل مؤخرًا بتصريحه المثير للدهشة الذي طالب فيه بـ”حق السفن الأمريكية بالمرور المجاني” عبر قناة السويس. تصريح أعاد للأذهان شبح الاستعمار التقليدي، وأطلق نقاشًا واسعًا: هل نحن أمام وقاحة سياسية جديدة أم رغبة دفينة في بعث نزعة استعمارية تجاه مصر؟
قناة السويس: شريان مصري خالص
قناة السويس، التي افتتحت عام 1869، هي واحدة من أهم الممرات المائية في العالم، وتعد مصدرًا أساسيًا للدخل القومي المصري. منذ تأميمها التاريخي على يد الرئيس جمال عبد الناصر عام 1956، أصبحت القناة رمزًا للسيادة الوطنية والكرامة الاقتصادية المصرية.
اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 منحت حرية الملاحة لجميع الدول في زمن السلم والحرب، ولكن مع ضمان حق مصر في فرض رسوم عبور، وهو حق سيادي لا جدال فيه.
موقف الولايات المتحدة أثناء حفر القناة
عند حفر قناة السويس في منتصف القرن التاسع عشر، لم تكن الولايات المتحدة قوة مؤثرة في المشروع. بل كانت منشغلة حينها بقضايا داخلية مثل الحرب الأهلية (1861-1865). أما فرنسا، بقيادة فرديناند ديليسبس، وبتمويل أوروبي بشكل رئيسي، فقد كانت القوة الدافعة وراء المشروع.
لم تساهم الولايات المتحدة ماليًا أو لوجستيًا في بناء القناة، ولم يكن لها أي دور في إدارتها أو سيطرتها. علاوة على ذلك، فإن السياسة الأمريكية حينها كانت ترتكز على مبدأ “مونرو”، الذي يحصر التدخل الأمريكي في القارة الأمريكية ويبعدها عن الصراعات الأوروبية والشرقية.
تصريحات ترامب: عودة للذهنية الاستعمارية؟
تصريح ترامب لا يمكن فصله عن سياقه الأوسع؛ فهو جزء من خطاب يميني يرى أن على الولايات المتحدة أن تعيد فرض إرادتها الاقتصادية والعسكرية أينما كانت مصالحها. هذا الخطاب يتجاهل مبادئ السيادة الوطنية والقانون الدولي، ويعيد إلى الأذهان عقلية السيطرة التي طبعت القرن التاسع عشر.
هل هي وقاحة؟ بلا شك، أن تطالب دولة أجنبية بالمرور المجاني في ممر سيادي دون احترام القوانين الدولية هو ضرب من الوقاحة السياسية.
أم هل هي صحوة استعمارية؟ يبدو أن التصريح يعبر عن حنين دفين لزمن كانت فيه القوى الكبرى تتعامل مع الدول النامية كمجرد “ممرات وموانئ” لمصالحها.
موقف مصر المتوقع
مصر، التي أثبتت مرارًا قدرتها على الدفاع عن سيادتها، لن تتسامح مع مثل هذه التصريحات. فكما قال الرئيس الراحل عبد الناصر أثناء أزمة السويس: “سنقاتل، ولن نفرط في شبر واحد من أرضنا أو حقوقنا.”
وختاماً..
تصريح ترامب، سواء أكان مجرد زلة لسان أم سياسة مدروسة، يعبر عن ذهنية مقلقة تتعارض مع مبادئ النظام الدولي المعاصر. قناة السويس ستبقى مصرية، وستظل مصر هي صاحبة القرار فيها، شاء من شاء وأبى من أبى.