
كتب :يوحنا عزمي
لن يستقيم للشرق الأوسط حال ، ولن يعرف طريقه إلي الهدوء والأمن والسلام والإستقرار في ظل الحماية المطلقة التي تخلعها امريكا علي إسرائيل بورة الإرهاب والتوتر والصراع والعدوان المسلح الأول في العالم هذه الحماية التي تشكل انتهاكاً سافرا وصارخا لكافة المواثيق والقوانين الدولية التي وجدت لردع ومعاقبة العدوان بكافة صوره واشكاله.
حماية أمريكا لإسرائيل هي التي تمنحها حصانة لا تتمتع بها دولة اخري
في العالم ضد العقوبات الدولية ، وتعفيها من المسئولية عن ما ترتكبه
من فظائع وجرائم وانتهاكات ، باستخدامها للفيتو لإسقاط اي مشروع
قرار يحاول إدانتها عن جرائمها او وضع حد لانتهاكاتها وتجاوزاتها التي أصبحت موضع استنكار وشجب العالم كله لها ..
وبذلك عطلت دور مجلس الأمن الدولي حتي تكاد تكون قد اخرجته من الخدمة فعلا. وهو ما لم يحدث له حتي خلال اسوأ فترات الحرب الباردة القديمة .. حيث كان حاضرا باستمرار في كل أزمات العالم واكثرها تهديدا للسلم والأمن الدوليين.
اما هذه الحماية الأمريكية المستمرة لإسرائيل وتواطئها معها في جرائمها بالتحريض والتسليح والتخطيط والتمويل ، فقد حولت الشرق الأوسط إلي كرة من النار واحدثت له من الخراب والدمار ومن الفوضي والعنف والصراع ما لم يشهد سابقة له في تاريخه حتي في اعتي عصور الاستعمار القديم. فقد كان احسن حالا بكثير وبما لا يترك مجالا للمقارنة .. هذه الحماية التي أهدرت كافة المواثيق والقوانين الدولية وافقدتها قيمتها وجدواها ، وحولت قرارات محكمة العدل الدولية وغيرها من المحاكم الجنائية الدولية إلي مجرد حبر علي ورق.
ومن هنا لا نحسب أننا نبالغ عندما نقول إنه إذا كان هناك خطر يتهدد السلم والأمن الدوليين ويشكل تحديا لاستقرار النظام السياسي الدولي ، فإنه ليس خطر الصين وروسيا اللتين يجري تصويرهما علي انهما محور الشر في العالم كنظم شمولية دكتاتورية معادية للسلام ، وانما هو الخطر الحقيقي الذي يشكله هذا التحالف الصهيوني الأمريكي الإسرائيلي الذي لا يتعامل بغير لغة القوة كأداة لتغيير الأمر الواقع مهما كان في ذلك من عدوان فج علي سيادة الدول او علي سلامة شعوبها ووحدة أراضيها .
وهو العدوان الذي وصل ذروته الآن مع الإدارة الأمريكية الحالية التي اسقطت كل المحاذير واستباحت كل المحظورات .. وتري العالم ساحة مفتوحة أمامها من حقها ان تفعل فيها ما تشاء بمنطق القوة وفرض الأمر الواقع الذي تريده .. وهو ما لا تفعله روسيا او الصين.وهذا هو ما ينطق به الواقع رغم ما يتعرضان له من تشهير وافتراءات وتشهير واكاذيب تحاول شيطنتهما وتقديمهما الي العالم في صورة اخري تماما علي خلاف الحقيقة والواقع.
وتبقي لنا هنا كلمة اخيرة ، فحتي عهد قريب ، وتحديدا بعد انتهاء الحرب الباردة القديمة ، روجوا لنظرية في الغرب كان احد كبار دعاتها والمروجين لافكارها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون ، اسموها نظرية السلم الديموقراطي ، والتي تقول ان اعدي اعداء السلم الدولي هي نظم الحكم
غير الديموقراطية ، وان العالم لن يعرف طريقه إلي السلم الحقيقي إلا بعد تحوله إلي الديموقراطية وتخلصه من أنظمة الحكم الدكتاتورية التي لا تحترم غير لغة القوة ولا تتعامل الا بها.
هذا هو الوهم الذي سوقوه دعائيا وحاولوا زرعه في عقول العالم لتصوير خصومهم في موسكو وبكين علي أنهم هم مكمن الشر والخطر .. وأنه إذا كان هناك خوف علي السلم الدولي فهو منهم وليس من الغرب بديموقراطيته الليبرالية المسالمة القائمة علي إحترام حقوق الإنسان والتي لا تؤمن بالعنف طريقا إلي تسوية النزاعات الدولية وانما بالحوار والتفاوض والتوافق ، بعيدا عن الجبر والاكراه وفرض الحلول والتسويات ..حتي جاء رؤساء أمريكا في السنوات الأخيرة من ديموقراطيين وجمهوريين علي السواء لينسفوا هذه النظرية من اساسها ، وليثبتوا بالدليل الواقعي ان ديموقراطية امريكا مع ديموقراطية إسرائيل التي يتغنون بها في الغرب ويعيرون بها دول الشرق الأوسط ، تشكلان معا التهديد الأكبر والأخطر للسلام في العالم وليس في الشرق الأوسط فحسب .. ديموقراطية التوسع والهيمنة والافراط غير المبرر في استخدام القوة المسلحة والبلطجة في اكثر صورها عدوانية واستفزازا لكل القيم والاخلاقيات الدولية وكأننا نعيش في غابة وليس في عالم منحضر.
هذه هي نظرية السلم الديموقراطي في الواقع ، النظرية التي سقطت سقوطا مدويا علي يد الرئيسين جو بايدن ودونالد ترامب وحليفهما
الإرهابي الدموي ومجرم الحرب وعدو السلام والإنسانية الأول في العالم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، الذي لم يكن البحث عن السلام يوما هدفا يكرس جهوده له ، والذي ارتكب في غزة وحدها من المجازر والمذابح البشرية المرعبة والمروعة ما يندي له الجبين في كل زمان ومكان وهذا هو السلم الديموقراطي الذي صدعوا رءوس العالم بالحديث عنه.
والواقع علي الارض يشهد علي كذب دعاياتهم وبما لم يعد يحتاج إلي شهادة من موسكو او بكين حتي يقارن ويقتنع بمن هو مصدر الخطر الحقيقي علي السلم والأمن الدوليين .. والعالم يمر بأحدي احلك فترات تاريخه خلال عقود طويلة .. ولم يعد احد يعرف نهاية الطريق الذي اخذ ترامب ونتنياهو العالم وراءهما فيه .. وهو طريق لا يبشر بالخير علي اي حال.