
كتب محمد عضمة
في إنجاز علمي غير مسبوق، أعلن علماء الفيزياء عن نجاحهم في تحويل الضوء إلى مادة فائقة الصلابة تُعرف باسم “السوبر سوليد” (Supersolid)، وهي حالة تجمع بين خصائص المواد الصلبة والسوائل، إذ تمتلك بنية بلورية منظمة لكنها قادرة على التدفق دون احتكاك.
وفقًا لدراسة حديثة نُشرت في مجلة “ساينس” (Science) بتاريخ 5 مارس الجاري، تمكن فريق من الباحثين في إيطاليا من تحقيق هذا الاكتشاف عبر تقنيات متقدمة سمحت بدمج الضوء مع المادة، مما أدى إلى تشكيل هذه الحالة الفيزيائية الفريدة.
ما هو “السوبر سوليد”؟
السوبر سوليد هو نوع من المادة يتميز بترتيب ذري منتظم، كما هو الحال في المواد الصلبة، لكنه في الوقت ذاته قادر على التدفق مثل السوائل دون أي مقاومة أو احتكاك داخلي، وهو سلوك يتعارض مع الفهم التقليدي لحالات المادة.
عادةً، تمتلك السوائل لزوجة تؤثر على تدفقها، مما يؤدي إلى احتكاك داخلي يحد من حركتها. غير أن المواد فائقة الصلابة، مثل السوبر سوليد، تتحدى هذه القاعدة، إذ تتدفق دون أي فقدان للطاقة أو مقاومة، مما يجعلها أقرب إلى السحر من منظور الفيزياء الكلاسيكية.
كيف تمكن العلماء من تحقيق هذا الإنجاز؟
لطالما كان إنتاج المواد فائقة الصلابة مقصورًا على الغازات الذرية، إلا أن العلماء تمكنوا في هذا البحث الجديد من تحقيق ذلك باستخدام الضوء نفسه، وهو إنجاز غير مسبوق في تاريخ الفيزياء.
وقد اعتمدت التجربة على تقنية معقدة تضمنت الخطوات التالية:
1. ربط الضوء بالمادة: استخدم العلماء شعاع ليزر مركزًا ووجهوه نحو مادة تُعرف باسم زرنيخيد الغاليوم (Gallium Arsenide)، مما أدى إلى تفاعل الضوء مع الإلكترونات داخلها.
2. تكوين جسيمات هجينة “البولاريتونات”: التفاعل الناتج أدى إلى نشوء جسيمات تُعرف بـ “البولاريتونات” (Polaritons)، وهي أشباه جسيمات تجمع بين خصائص الضوء والمادة.
3. توجيه البولاريتونات لإنشاء المادة فائقة الصلابة: من خلال التحكم الدقيق في هذه الجسيمات، تمكن العلماء من تشكيل “السوبر سوليد”، الذي يتصرف كمادة تجمع بين الصلابة والسيولة دون احتكاك.
أهمية هذا الاكتشاف وآفاقه المستقبلية
هذا الاختراق العلمي لا يُغير فقط فهمنا لطبيعة الضوء، بل يفتح أيضًا آفاقًا جديدة في مجالات عدة، أبرزها:
تطوير الحواسيب الكمية: يمكن أن يُسهم هذا الاكتشاف في تحسين أداء الحواسيب الكمية، التي تُعد بالفعل أسرع بملايين المرات من الحواسيب التقليدية.
تصميم موصلات فائقة جديدة: قد يساعد في إنتاج موصلات كهربائية تنقل الطاقة بكفاءة عالية دون فقدان، مما قد يُحدث ثورة في صناعة الإلكترونيات والطاقة.
ابتكار مواد تشحيم خالية من الاحتكاك: يمكن أن يُستخدم في تطوير مواد تشحيم مثالية تُقلل من استهلاك الطاقة في المحركات والماكينات الصناعية.
أين نحن من هذه الاكتشافات؟
في ظل التطورات العلمية الهائلة التي يشهدها العالم، يبرز التساؤل حول مدى مشاركة الدول العربية في مثل هذه الأبحاث المتقدمة. فبينما تقود دول متقدمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا السباق نحو اكتشافات فيزيائية ثورية، لا يزال البحث العلمي في العديد من الدول العربية يواجه تحديات تعيق وصوله إلى هذا المستوى من التقدم.
هل سنرى يومًا مراكز أبحاث عربية تساهم في مثل هذه الإنجازات، أم أننا سنظل مجرد مستهلكين للتكنولوجيا دون المساهمة في صناعتها؟ هذا السؤال يظل مفتوحًا للمستقبل، لكنه يتطلب إرادة سياسية واستثمارًا حقيقيًا في البحث العلمي لتحقيقه.