
الصحفي د. محمد الطربيلي يكتب
من يجرؤ على أن يشطب من ذاكرة أمة يومها الخالد؟ من ذا الذي يمتلك الجرأة أن يمدّ يده المرتجفة ليمحو السادس من أكتوبر من دفتر الفخر العربي؟
ليس وطنيًّا، ولا قائدًا، ولا حتى رجلًا يعرف طعم الكرامة، من يوقّع مرسومًا يُسقط من تقويم بلده يوم العبور والنصر والعزة.
في لحظة من لحظات الجنون السياسي التي يعيشها بعض من تسمّوا أنفسهم “قادة”، خرج علينا النظام السوري الحالي بقرارٍ يُلغي عطلة حرب أكتوبر، وكأن النصر الذي روى رمال سيناء بالدم السوري والمصري والعربي لم يكن يومًا إلا صدفة عابرة في كتاب التاريخ!
لكنهم نسوا أن الدم لا يُمحى، وأن الذاكرة لا تُلغى بمرسوم، وأن الأمة التي رأت أبناءها يُقاتلون كتفًا بكتف لا تنسى مهما تبدّل من يجلس على الكرسي.
يا من تسكن قصرًا بنوافذ مغلقة على الحقيقة…
هل ظننت أن إلغاء العيد سيُلغي الهزيمة التي تعيشها روحك؟
هل تصوّرت أن محو أكتوبر من رزنامتك سيمحو عارك في صفحات التاريخ؟
النصر لا يُلغى يا هذا، بل يُورّث.
وأنت تمحو ما لم تصنعه، لأنك ببساطة لم تكن هناك حين كان الرجال يصنعون المجد، ولم تكن تسمع دويّ المدافع وهي تكتب بالعزيمة ملحمةً خالدة.
لقد حوّلتم سوريا من وطنٍ شارك في صناعة النصر، إلى مساحةٍ تُدار فيها الأوامر من الخارج، وتُرسم فيها القرارات على هوى الممول والمستعمر.
تتصرفون وكأن الوطن دفتر حساب، تمحون منه ما يذكّركم أنكم لم تدفعوا يومًا ثمن الكرامة.
أكتوبر لا يُلغى، لأن أكتوبر لم يكن مجرد حرب، بل كان يقظة أمةٍ كاملة من سبات الانكسار.
من الغريب أن تصدروا مرسومًا كهذا في وقتٍ تتسابق فيه الشعوب لاستعادة رموزها، بينما أنتم تُلغون ما تبقّى من رمزٍ كان يجمعنا يومًا تحت راية واحدة.
وكأنكم تُعلنون رسميًا أن زمن الرجال انتهى، وأن زمن “المرسوم” حلّ محلّ “السلاح”.
لقد كنتم ذات يوم تقفون على الجبهة مع مصر، والآن تقفون على حافة الخيانة مع من يصفقون لكم على الخواء.
ألغيتُم يوم العزة لأنكم لم تعيشوا لحظة الشرف، ألغيتُم ذكرى الحرب لأنكم صرتم في معسكر من فقدوا القدرة على الانتصار، ونسيتُم أن التاريخ لا يرحم.
قد تُلغى العطلة من الورق، لكنكم لن تستطيعوا أن تُلغوا شريان الفخر الذي يجري في دم كل عربي حرّ.
أكتوبر سيبقى، لأن من صنعوه كتبوه بالنار لا بالحبر، وعلّموه للأجيال لا في المدارس، بل في وجدان كل من يعرف معنى الأرض والعِرض والكرامة.
يا سيادة المرسوم…
حاول أن تلغي الشمس من السماء، أو البحر من الخريطة، أو الأذان من المآذن، قبل أن تحاول أن تلغي السادس من أكتوبر من ذاكرة العرب.
العار وحده لا يحتاج عطلة، لأنه يحتفل بنفسه كل يوم في وجوه من خانوا التاريخ.