
بقلم: الصحفي السوري المستقل أسامه الكومه -الدستور 24
في قلب الشرق الأوسط، تقع سوريا، الدولة التي تحولت من مجرد صراع داخلي إلى مختبر استراتيجي عالمي.
سنوات الحرب، التدخلات الأجنبية، وسقوط النظام السابق لم تكن أحداثًا عابرة، بل جزء من لعبة كبرى لتغيير ميزان القوى الدولي.
هنا، حيث تتصارع القوى الكبرى على النفوذ، يقف الشعب السوري بين المطرقة والسندان، ضحيةً لسياسات تُعيد رسم الخرائط الجيوسياسية وتعيد ترتيب التحالفات.
سقوط النظام السوري السابق لم يكن مجرد نهاية لعهد طويل، بل لحظة فارقة قلبت التوازن الإقليمي والدولي رأسًا على عقب.
القيادة الجديدة، بقيادة أحمد الشرع المعروف بـ”أبو محمد الجولاني”، حملت رؤية لإعادة بناء الدولة السورية على أسس مختلفة، مع ترتيب تحالفات استراتيجية تصب في مصالح البلاد والمحاور العالمية.
مع حل الجيش والأجهزة الأمنية القمعية، سارعت القيادة الجديدة إلى:
تأسيس جيش وطني جديد قادر على فرض السيطرة على الأرض وتأمين البلاد.
إعادة هيكلة الوزارات الحيوية، بما فيها وزارة الداخلية والأفرع الأمنية ووزارة الدفاع، لضمان إدارة الدولة بكفاءة وحماية الانتقال السياسي الحساس.
هذه الخطوة أعطت القيادة الجديدة شرعية قوية محليًا ودوليًا، وأكدت قدرتها على ضبط المشهد الأمني والسياسي والاقتصادي.
السياسة الدولية الحديثة في سوريا لا تقوم على القوة العسكرية وحدها، بل على إدارة التحولات الاستراتيجية عبر عدة مستويات:
1. العسكري: إعادة ترتيب التحالفات، السيطرة على المواقع الحيوية، والتدخل التركي الحاسم إلى جانب الدور الأمريكي لتوجيه مسار الأحداث. الجيش الوطني الجديد أصبح العمود الفقري للسيطرة والأمن.
2. الاقتصادي: السيطرة على الموارد الحيوية، إعادة الإعمار وفق مصالح المحور الغربي، وفتح قنوات استثمارية أمريكية وتركية جديدة لتعزيز النفوذ الجديد اقتصاديًا.
3. السياسي والدبلوماسي: صوغ تحالفات جديدة مع الغرب، مع استمرار العلاقات الاستراتيجية مع روسيا لضمان التوازن وتفادي صراع مفتوح يهدد استقرار البلاد.
4. الاستراتيجي والتكنولوجي: تطوير البنية التحتية الحديثة، الاتصالات، والأمن الإلكتروني لضمان التفوق الاستراتيجي وحماية النفوذ الجديد.
ورغم كل الحسابات الاستراتيجية والتحالفات الدولية، الضحية الحقيقية هي الشعب السوري.
سنوات الحرب، سقوط النظام، والتدخلات الأجنبية خلفت دماء الأبرياء، تدمير المدن، وتشريد الملايين.
سياسة قلب المعادلة لم تُحدث تغييرات في التحالفات والموازين فقط، بل سفكت دماء أبناء سوريا وأحدثت أجيالًا فقدت الأمان والاستقرار.
الشعب السوري اليوم يعيش نتائج هذه السياسة بكل قسوتها، وهو من يدفع الثمن الحقيقي للتحولات الاستراتيجية الكبرى.
اليوم، سوريا ليست مجرد دولة تمر بأزمة داخلية، بل مختبر استراتيجي للقوى الكبرى.
التدخلات الأمريكية والتركية لم تكن عشوائية، بل مخطط محكم لإضعاف النفوذ الشرقي وتعزيز الهيمنة الغربية.
في المقابل، حرصت القيادة الجديدة على حفظ خطوط اتصال استراتيجية مع روسيا لضمان استقرار نسبي وتوازن دولي، مما يعكس براعة السياسة السورية في إدارة الصراع الدولي دون الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.
سوريا اليوم تقدم درسًا صارخًا في السياسة الدولية: أن القوة ليست فقط في الجيوش أو الموارد، بل في القدرة على قلب المعادلة وصياغة التحالفات العالمية.
ومع كل تحول، يبقى الشعب السوري الضحية الأكبر، يدفع ثمنًا باهظًا لأطماع القوى الكبرى.
سوريا ليست مجرد دولة في أزمة، بل مرآة للعالم، حيث السياسة الكبرى تصنع التحالفات، والشعب السوري يدفع الثمن الأكبر.
للمزيد من الأخبار تابع صفحتنا على الفيسبوك عبر هذا الرابط