بقلم: د. محمد الطربيلي

 

تتصاعد في الآونة الأخيرة موجة من القضايا المثيرة للجدل التي تمس المجتمع المصري في عمقه، وعلى رأسها قضية اتهام بعض البلوجرز بالضلوع في تجارة الأعضاء البشرية والتربح غير المشروع منها، وهي جريمة لا تمثل فقط اعتداءً على جسد الإنسان بل تعد خيانة للقيم الإنسانية والوطنية، فالمتاجرة بآلام البشر لا يقوم بها إلا من فقد ضميره وتجرد من إنسانيته. لكن الأخطر من مجرد الجريمة هو ما وراءها من فكر مريب يشبه الفكر الماسوني الذي يستهدف تقويض المجتمعات من الداخل عبر المال والشهوات والإعلام المضلل، فمن السهل أن يتم إغراء ضعاف النفوس بالمال ليصبحوا أدوات للهدم دون وعي.

وعندما ننظر إلى الساحة الفنية والثقافية نجد وجهاً آخر لنفس الخطر، فبدلاً من أن يكون الفن رسالة تنويرية تنهض بالذوق العام وتبني الوعي، تحوّل في بعض النماذج الرديئة إلى سلعة رخيصة تبيع التفاهة وتزرع الانحطاط، ومثال ذلك ما يقدمه بعض الفنانين الذين يجمعون الملايين الطائلة من أعمال سطحية لا تحمل قيمة حقيقية، بينما تسلط الأضواء عليهم كرموز للشباب في الوقت الذي يتم فيه تهميش الفن الراقي والإبداع الحقيقي. ولعل ما يثير الانتباه هو أن تلك الممارسات ليست عشوائية بل تحمل في طياتها مشروعاً خفياً لإفساد الذوق العام وإغراق المجتمع في ثقافة استهلاكية تهدم القيم، وفي هذا السياق تبرز ظاهرة محاولة استقطاب الفنانين والفنانات المصريين لتوظيفهم في محتوى فارغ يروج للتفاهة والابتذال، والهدف النهائي هو إضعاف القوة الناعمة لمصر وتشويه صورتها الثقافية والفنية التي كانت عبر التاريخ أحد أعمدة ريادتها في المنطقة.

المجتمع المصري يدرك بفطرته أن هناك حرباً ناعمة تُدار ضده، حرب لا تُطلق فيها الرصاصات بل تُزرع فيها الأفكار السامة وتُباع فيها الوهم تحت مسمى الترفيه، لذلك فإن المواجهة لا تكون فقط عبر القانون الذي يلاحق تجار الأعضاء والمخالفين، وإنما أيضاً عبر إحياء الثقافة الأصيلة، ودعم الفن الجاد، ورفع مكانة المبدعين الحقيقيين، حتى لا يُترك المجال فارغاً ليملؤه أصحاب الفكر المظلم والمال المشبوه.

إن الحفاظ على مصر لا يتوقف عند حماية حدودها بالسلاح، بل يتطلب حماية عقلها ووجدانها من محاولات الإفساد، وهذا هو التحدي الأخطر الذي يجب أن نعيه جميعاً ونواجهه بكل قوة ووعي.

 

 

 

للمزيد من الأخبار تابع صفحتنا على الفيسبوك  عبر هذا الرابط